June2010Banner

 


استِقْبَالُ عِيْدِ الأضْحَى الْمُبَارَكِ

أهَلَّ شهرُ ذي الحجةِ وأغلقتِ المدارسُ أبوابَها استعدادًا للاحتفالِ بعيدِ الأضْحَى المباركِ. وَحَلَّ اليومُ التاسعُ من الشَّهْرِ فَجَمَعَ الأبُ عدنانُ أولادَه وقالَ: كُلُّ عَامٍ وأنتم بخيرٍ، فَهَا قد جاءَ عيدُ الأضْحَى المباركُ، عِيدُ تَأْدِيَةِ فريضةِ الحَجِّ أحدِ أركانِ الإسلامِ. فإنَّ مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ كَمَا قالَ الرسولُ، صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهِ، ذَلِكَ أنَّ اللهََ جَعَلَ أربعةَ أشهرٍ حُُرُمًا حَرَّمَ فِيها القِتَالَ، وَأَمَرَ المسلمين بالسَّلامِ فيما بينهم حتى يَتَمَكّنَ النَّاسُ مِنْ تَأْدِيَةِ فَرِيضةِ الحَجِّ. وسألَ الابنُ عمرُ وما هي هذه الأشهرُ؟ فأجابَ الأبُ: هي رجبٌ، وذو القِعْدةِ، وذو الحِجَّةِ، والمُحِرَّمُ. والآن تعالوا نَخْرُجْ إلى الأسواقِ لِنَرَى ماذا يصنعُ الناسُ احتفالاً بقُدُومِ العيدِ واستعدادًا له. وحين خرجَ الجميعُ إلى الشَّارعِ بَهرَهَم مَا رَأوْا، فقدْ كانتْ الأبْنيةُ مُزَيَّنَةً بِالأَعْلامِ والحِبالِ الضَّوْئِيَّةِ، والّلوحَاتِ المكتوبةِ تَرْحِيَبًا بالعيدِ، والهواءُ يلعبُ بالأعلامِ فَتَهْتَزُّ وَتَخْفِقُ وَكَأَنَّهَا تُصَفِّقُ فُرِحَةً بِقُدُومِ الْعيدِ، وكذلكَ حِبَالُ أضواءِ الكهرباءِ بِزُجَاجَاتِها الملوَّنةِ وكأنَّها تَرْقصُ مِنَ الْفَرَحِ، والّلوحاتُ الخَطِّيَّةُ ترتفِعُ مَعَ الهواءِ وتنخفضُ وكأنها تقولُ للمشاهِدِين إنّي فَرِحَةٌ مِثْلُكُم فَهَأَنََذِي أرقصُ وأهْتَزُّ.

أمَّا الطرقاتُ فكانتْ مُمْتَلِئَةً بِالنَّاسِ، والدكاكينُ مملوءةً بالزبائنِ، وقد مَدّ أصحابُها أمامَهم بَسْطَاتِ البضائعِ تعرضُ على الناسِ ما هُمْ بحاجةٍ إليه، فهذه أمٌّ أحضرتْ بناتِها معها وهي تختارُ لَهُنَّ ما يناسبُ أجسامهّنَّ وما يُوافِقُ أذواقَهُنَّ، وهذا أبٌ دخلَ إلى دُكَّانِ بائعِ الأحذيةِ مَعَ أبنائهَ وانْهَمَكَ معهم في إيجادِ الأحذيةِ التي تناسِبُهم وتَرُوقُ لهم، بينما دخلَ آخرون إلى محلاتِ بَيْعِ الملابِسِ الرِّجَالِيَّةِ فَانْتَقَوْا مَا حَمَلَ السُّرُورَ إلى نُفُوسِهِم، وخرجُوا وهم يَحْمِلُونَ أكْيَاسًا امْتَلأت بالألبسةِ والسُّرُورُ طَاغٍ عليهم يفتحُونَها وَيَسْتَرِقُونَ النَّظَرَ إلى دَاخِلِها وَيُمَتِّعُونَ أنْفُسَهُم بِمَا اقْتَنَوْا. قالَ عُمَرُ: إنَّنَا يا أبي بحاجَةٍ إلى مَلابِسَ للعيدِ حتى نفرحَ كما يفرحُ الآخرون. فقال الأبُ: حُبًّا وكَرَامَةً، وأنا أخرجتُكُم من البيتِ لذلكَ. فهيَّا إلى المحلاتِ وَلْيَخْتَرْ كُلٌّ مِنْكُمْ مَا يَحْلُو لَهُ. وَهَرَعَ الأولادُ إلى المحلاتِ.. فهذا يميزُ الألوانَ والمقاساتِ، وهذا يُجَرِّبُ قياسَ الحذاءِ، وذاكَ يستشيرُ أباهُ في ذوقهِ. وبعد حينٍ كان الجميعُ يقفون أمامَ آلةِ المحاسبةِ وقد حَمَلَ كُلٌّ منهم عددًا من الأكياسِ، بينما حَمَلَ الأبُ محفظتهُ يدفعُ منها، وخرج الأولادُ مَسْرُورِين وَكُلٌّ منهم يتحدثُ عما اختارَ والفرحةُ لا تكادُ تَسِعَهُم.

وفي مُنْتَصَفِ الشَّارِعِ كان الازدحامُ شديدًا، فإنَّ بائِعِي السَّكَاكِرَ والشّوكُولاته والمِلبِّسِ استعدُّوا استعدادًا كبيرًا فَمَلؤُوا المحلاتُ بالبضائعِ. فتقدمَ الأبّ عدنانُ فاشترى بضعةَ كيلو جراماتٍ من مختلفِ الأنواعِ ودفعَ ثمنَها، وأعطى الكيسَ لابنهِ عمرَ الذي سارعَ فأخذَ حبَّةً من الشوكولاته وأكلها، فضحكَ الأبُ، بينما قال سميرُ مُمَازِحًا: أنت صاحبُ بطنٍ كبيرٍ.. وضحكَ الجميعُ.

عادَ الجميعُ إلى البيتِ والفرحةُ تملأُ قُلوبَهم، وسارعَ الأولادُ يعرضون ملابِسَهم على أمِّهم، ثم يضعونَها جانبَ سُُرُرِهِم، ويضعونَ أحذيتَهم تحتَ السريرِ، وَأَوَى الأولادُ إلى فُرُشِهِم وهم يحلمُون بالعيدِ.

حانَ وقتُ صلاةِ الفجرِ، فقامَ الجميعُ بتأديةِ الصلاةِ، ثم لَبِسُوا مَلَابِسَهم الجديدةَ وانطلقوا مع أبيهم لتأديةِ صلاةِ العيدِ وهم يُهلِّلونِ ويُكبِّرون، وأعِلنَ للصلاةِ فأدُّوها وراءَ الإمامِ، ثُمَّ جَلسُوا لسماعِ خُطْبَةِ العيدِ التي حَثَّ فيها الخطيبُ المُصَلِّين على صِلَةِ الرَّحِمِ، والتَّزَاوُرِ والإحسانِ إلى الفقراءِ، وبَيَّنَ مَعَنَى العيدِ والبَهْجَةِ فيهِ.

انتهتِ الخُطْبَةُ وقامَ المُصَلُّون يُهَنِّئُ بَعْضُهُم بَعَضًا، ثَمَّ انْطَلَقَ الأبُ مع أولادهِ فاشترى كَبْشًا وضَحَّى به اتِّبَاعًا للرسولِ، عليه الصلاةُ والسلامُ، وإحياءً لسنةِ أبينا إبراهيمَ الذي افتدى ابنَه إسماعيلَ بكَبَشٍ، وأَمَر الأبُ الجَزَّارَ أن يُقَطِّعَ الكَبْشَ إلى قِطَعٍ، وأن يجعلَ كُلَّ قِطْعَةٍ في كِيْسٍ، ثُمَّ فَرَّقَ الأكياسَ على أولادهَ وطلب منهم أن يُؤَدُّوها إلى أشْخَاصٍ سَمَّاهُم لَهُم مُواسَاةً لهم.

وفي طريقِ عودةِ الأبناءِ إلى البيتِ كانت مناظرُ الشوارعِ عَجَبًا، فقد نُصِبَتْ الأُرجوحاتُ، والقلاباتُ، والأكياسُ الهوائيةُ والأطفالُ يلعبون بها ويلهون وقد غمرتُهم الفرحةُ. قالَ عمرُ يجب أن نذهبَ إلى البيتِ لنُهَنِّئَ أهْلَنَا بالعيدِ، ونتناولَ طعامَ الإفطارِ معهم، وننظفَ أيْدِيَنَا من أثرِ الَّلحمِ.. قالَ سميرُ: أحسنتَ يا أخِي. دخلَ الأولادُ الدارَ وانْكَبُّوا على يَدَي والديهم يُقَبِّلونها ويهنِّؤونَهما بالعيدِ، وامتدتْ يَدُ الوالدِ إلى محفظتهِ فمنحَ كُلَّ واحدٍ من أبنائهِ مَبْلَغًا يُنْفِقُ منه في العيدِ، فشكرَ الأولادُ أباهم وأكلوا بضعَ لُقَيْمَاتٍ ثم خَرَجُوا من البيتِ مُسرعين، وصاحَ بهم الأبُ لا تتأخَّرُوا فإنَّا نُريدُ أن نَزورَ أقارِبَنَا ونصلَ أرحامَنا ونرى أهلَنا ونُهَنِّئَهم بالعيدِ، وصاحَ الأولادُ وهم يركضون: نَعمْ نَعمْ يا أبي.